سورة نوح - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (نوح)


        


{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4)}
{أَنْ أَنذِرْ} و{أَنِ اعبدوا} يحتمل أن تكون أن مفسرة أو مصدرية على تقدير بأن أنذر وبأن اعبدوا والأول أظهر {عَذَابٌ أَلِيمٌ} يحتمل أن يريد عذاب الآخرة أو الغرق الذي أصابهم {يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ} من هنا للتبعيض أي يغفر لكم ما فعلتم من الذنوب قبل أن تسلموا؛ لأن الإسلام يَجُبُّ ما قبله، ولم يضمن أن يغفر لهم ما بعد إسلامهم، لأن ذلك في مشيئة الله تعالى، وقيل: إن من هنا زائدة ذلك وباطل لأن من لا تزاد عنه سيبويه إلا في غير الواجب. وقيل: هي لبيان الجنس، وقيل: لابتداء الغاية، وهذان قولان ضعيفان في المعنى، والأول هو الصحيح لأن التبعيض فيه متجه {وَيُؤَخِّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} ظاهر هذا يقتضي أنهم إن فعلوا ما أمروا به أخروا إلى أجل مسمى؛ وإن لم يفعلوا لم يؤخروا، وذلك يقتضي القول بالأجلين. وهو مذهب المعتزلة، وعلى هذا حملها الزمخشري، وأما على مذهب أهل السنة، فهي من المشكلات، وتأولها ابن عطية فقال: ليس للمعتزلة في الآية مجال لأن المعنى أن نوحاً عليه الصلاة والسلام لم يعلم هل هم ممن يؤخر أو ممن يعاجل؟ ولا قال لهم: إنكم تؤخرون عن أن أجل قد حان. لكن قد سبق في الأزل إما ممن قضى له بالإيمان والتأخير أو ممن قضى له بالكفر والمعالجة. وكان نوحاً عليه السلام قال لهم: آمنوا يظهر في الوجود أنكم ممن قضى له بالإيمان والتأخير. وإن بقيتم على كفركم يظهر في الوجود أنكم ممن قضى عليه بالكفر والمعالجة، فكان الاحتمال الذي يقتضيه ظاهر الآية إنما هو فيما يبرزه الغيب من حالهم؛ إذ يمكن أن يبرز إما الإيمان والتأخير، وإما الكفر والمعالجة، وأما عند الله فالحال الذي يكون منهم معلوم مقدر محتوم، وأجلهم كذلك معلوم قدر محتوم.
{إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ} هذا يقتضي أن الأجل محتوم كما قال تعالى: {إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس: 49] وفي هذا حجة لأهل السنة وتقوية للتأويل الذي ذكرنا، وفيه أيضاً رد على المعتزلة في قولهم بالأجلين، ولما كان كذلك قال الزمخشري: إن ظاهر مناقض لما قبله من الوعد بالتأخير إن آمنوا، وتأول ذلك على مقتضى مذهبه بأن الأجل الذي لا يؤخر هو الأجل الثاني. وذلك أن قوم نوح قضى الله أنهم إن آمنوا عمرهم الله مثلاً ألف عام، وإن لم يؤمنوا عمرهم تسعمائة عام فالألف عام هي التي تؤخر إذا جاءت والتسعمائة عام هي التي وعدوا بالتأخير عنها إلى الألف عام إن آمنوا.


{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9)}
{دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ} أي دعوتهم ليؤمنوا فتغفر لهم، فذكر المغفرة التي هي سبب عن الإيمان؛ ليظهر قبح إعراضهم عنه؛ فإنهم أعرضوا عن سعادتهم {جعلوا أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِمْ} فعلوا ذلك لئلا يسمعوا كلامه، فيحتمل أنهم فعلوا ذلك حقيقة أو يكون عبارة عن إفراط إعراضهم حتى كأنهم فعلوا ذلك {واستغشوا ثِيَابَهُمْ} أي جعلوها غشاوة عليهم لئلا يسمعوا كلامه، أو لئلا يراهم، ويحتمل أنهم فعلوا ذلك حقيقة، أو يكون عبارة عن إعراضهم {وَأَصَرُّواْ} أي داوموا على كفرهم {دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً} إعراب جهاراً مصدر من المعنى كقولك: قعد القرفصاء، أو صفة لمصدر محذوف تقديره: دعا جهاراً، أو مصدر في موضع الحال أي مجاهراً {ثُمَّ إني أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً} ذكر أولاً أنه دعاهم بالليل والنهار، ثم ذكر أنه دعاهم جهاراً، ثم ذكر أنه جمع بين الجهر والإسرار، وهذه غاية الجد في النصيحة وتبليغ الرسالة صلى الله عليهم وسلم، قال ابن عطية: الجهاد دعاؤهم في المحافل ومواضع اجتماعهم، والإسرار دعاء كل واحد على حدته.


{يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)}
{يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً} مفعول من الدرّ وهو كثرة الماء، وفي الآية دليل على أن الاستغفار يوجب نزول الأمطار، ولذلك خرج عمر بن الخطاب إلى الاستسقاء فلم يزد على أستغفر ثم انصرف، فقيل له: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: والله لقد استسقيت أبلغ الاستسقاء، ثم نزل المطر، وشكا رجل إلى الحسن الجدب فقال له: استغفر الله.

1 | 2 | 3